فصل: الشاهد الحادي والتسعون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن الوفود من بني مرين والسودان وغيرهم.

كان بنو مرين كما قدمناه قد تمسكوا بطاعة الأمير أبي زكريا ودخلوا في الدعوة الحفصية وحملوا عليها من تحت أيديهم من الرعايا مثل: أهل مكناسة وتازى والقصر وخاطبوا السلطان بالتمويل والخضوع.
ولما هلك السلطان وولي ابنه المستنصر وقارن ذلك ولاية المرتضى بمراكش ثم كان بينهم وبين المرتضى من الفتنة والحرب ما ذكرناه ونذكره فاتصل ذلك بينهم وبعث الأمير أبو يحيى بن عبد الحق بيعة أهل فاس وأوفد بها مشيخة بني مرين على السلطان وذلك سنة اثنتين وخمسين وستمائة فكان لها موقع من السلطان والدولة وقابلهم من الكرامة كل على قدره وانصرفوا محبورين إلى مرسلهم ولما هلك أبو يحيى بن عبد الحق واستقل أخوه يعقوب بالأمر أوفد إليه ثانية رسله وهديته وطلب الإعانة من السلطان على المرتضى وأمر أهل مراكش على أن يقيموا بها الدعوة له عند فتحها ولم يزل دأبهم إلى أن كان الفتح.
وفي سنة خمس وخمسين وستمائة وصلت هدية ملك كانم من ملوك السودان وهو صاحب برنو مواطنه قبلة طرابلس وكان فيها الزرافة وهو الحيوان الغريب الخلق المنافر الحلى والشيات فكان لها بتونس مشهد عظيم برز إليها الجفلى من أهل البلد حتى غص بها الفضاء وطال إعجابهم بشكل هذا الحيوان وتباين نعوته وأخذها من كل حيوان بشبه وفي سنة ثمان وخمسين وستمائة وصل دون الرنك أخو ملك قشتالة مغاضبا لأخيه ووفد على السلطان بتونس فتلقاه من المبرة والحباء بما يلقى به كرام القوم وعظماء الملوك ونزل من دولته بأعز مكان وكان تتابع هذه الوافدات مما شاد بذكر الدولة ورفع من قدرها.

.الخبر عن مقتل ابن الابار وسياقة أوليته.

كان هذا الحافظ أبو عبد الله بن الأبار من مشيخة أهل بلنسية وكان علامة في الحديث ولسان العرب وبليغا في الترسيل والشعر وكتب عن السيد أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن ببلنسية ثم عن ابنه السيد أبي زيد ثم دخل معه دار الحرب حين نزع إلى دين النصرانية ورجع عنه قبل أن يأخذ به ثم كتب عن ابن مردنيش ولما دلف الطاغية إلى بلنسية ونازلها بعث زيان بوفد بلنسية وبيعتهم إلى الأمير أبي زكريا وكان فيهم ابن الأبار هذا الحافظ فحضر مجلس السلطان وأنشد قصيدته على روي السين يستصرخه فبادر السلطان بإغاثتهم وشحن الأساطيل بالمدد إليهم من المال والأقوات والكسى فوجدهم في هوة الحصار إلى أن تغلب الطاغية على بلنسية ورجع ابن الأبار بأهله إلى تونس غبطة بإقبال السلطان عليه فنزل منه بخير مكان ورشحه لكتب علامته في صدور رسائله ومكتوباته فكتبها مدة ثم إن السلطان أراد صرفها لأبي العباس الغساني لما كان يحسن كتابتها بالخط المشرقي وكان آثر عنده من الخط المغربي فسخط ابن الابار إنفة من إيثار غيره عليه وافتأت على السلطان في وضعها في كتاب أمر بإنشائه لقصور الترسيل يومئذ في الحضرة عليه وأن يبقى مكان العلامة منه لواضعها فجاهر بالرد ووضعها استبدادا وإنفة وعوتب على ذلك فاستشاط غضبا ورمى بالقلم وأنشد متمثلا:
واطلب العز في لظى وذر الذل ** ولو كان في جنان الخلود

فنمى ذلك إلى السلطان فأمر بلزومه بيته ثم استعتب السلطان بتأليف رفعه إليه عد فيه من عوتب من الكتاب واعتب وسماه أعتاب الكتاب واستشفع فيه بإبنه المستنصر فغفر السلطان له وأقال عثرته وأعاده إلى الكتابة.
ولما هلك الأمير أبو زكريا رفعه المستنصر إلى حضور مجلسه مع الطبقة الذين كانوا يحضرونه من أهل الأندلس وأهل تونس وكان في ابن الأبار أنفة وبأو وضيق خلق فكان يزري على المستنصر في مباحثه ويستقصره في مداركه فخشن له صدره مع ما كان يسخط به السلطان من تفضيل الأندلس وولايتها عليه.
وكانت لابن أبي الحسين فيه سعاية لحقد قديم سببه أن ابن الآبار لما قدم في الأسطول من بلنسية نزل ببنزرت وخاطب ابن أبي الحسن بغرض رسالته ووصف أباه في عنوان مكتوبة بالمرحوم ونبه على ذلك فاستضحك وقال: إن أبا لا تعرف حياته من موته لأب خامل ونميت إلى ابن أبي الحسين فأسرها في نفسه ونصب له إلى أن حمل السلطان على إشخاصه من بجاية ثم رضي عنه واستقدمه ورجعه إلى مكانه من المجلس وعاد هو إلى مساءة السلطان بنزعاته إلى أن جرى في بعض الأيام ذكر مولد الواثق وساءل عنه السلطان فاستبهم فعدا عليه ابن الأبار بتاريخ الولادة وطالعها فأتهم بتوقع المكروه للدولة والتربص بها كما كان أعداؤه يشنعون عليه لما كان يتظر في النجوم فتقبض عليه وبعث السلطان إلى داره فرفعت إليه كتبه أجمع وألقى أثناءها فيما زعموا رقعة بأبيات أولها:
طغى بتونس حلف سموه ظلما خليفة

فاستشاط لها السلطان وأمر بامتحانه ثم بقتله قعصا بالرماح وسط محرم من سنة ثمان وخمسين وستمائة ثم أحرق شلوه وسيقت مجلدات كتبه وأوراق سماعه ودواوينه فأحرقت معه.